هاربون من «الإعدام» في «المجزرة»: سنسلم أنفسنا «جثث هامدة».. وحسبنا الله في «مرسي»


هاربون من «الإعدام» في «المجزرة»: سنسلم أنفسنا «جثث هامدة».. وحسبنا الله في «مرسي»

                                            هاربون من «الإعدام» في «المجزرة»: سنسلم أنفسنا «جثث هامدة».. وحسبنا الله في «مرسي»



03/09/2013 - 20:49


قضت «المصري اليوم» ليلة كاملة مع 4 متهمين في أحداث «استاد بورسعيد»، بينهم 3 محكوم عليهم بالإعدام، وهم: عبدالعظيم غريب عبده، الشهير بـ«عظيمة شماريخ»، ومحمد دسوقى، الشهير بـ«الدسة»، ومحسن محمد الشريف، الشهير بـ«القص»، ومتهم رابع هو عادل حسن متولى، الحاصل على حكم بالبراءة.
في البداية، اتصلنا بـ«الدسة» فأبدى موافقته على اللقاء بشرط أن نقنع «القص» بالنزول، لأنه أخبر أصدقاءه بعدم نزوله من بيته في تلك الليلة، ووافق «القص»، وطلب منا مهلة لترتيب مكان اللقاء، وحدد أحد المقاهي الشهيرة بالقرب من شارع طرح البحر، لنلتقى فيه، وهناك طلبنا «عظيمة» والشيخ «عادل» اللذين انضما إلينا فيما بعد.
على مدخل الكافيه، كان هناك أشخاص يؤمّنون المكان، وبجوارنا زملاء آخرون، أصدقاء لهم للتأمين أيضاً، بدأنا بدردشة خفيفة، حتى نخفف حدة الحوار، حتى جاء «عظيمة شماريخ»، وهو يشبه إلى حد كبير الفنان يونس شلبى، أطلق لحيته في الفترة الأخيرة حتى لا يستطيع أحد التعرف عليه، واسمه الحقيقى عبدالعظيم غريب عبده. لم يكمل «عظيمة» عامه الثالث والعشرين، طالب بالفرقة الثالثة بكلية الحاسب الآلى، في رأس البر، يعمل مع والده تاجراً في مخلفات وتموين السفن، ولديه 3 أشقاء أصغر منه في مراحل التعليم المختلفة.
يحكى «عظيمة» والابتسامة لا تفارقه، ويقول أصدقاؤه المحكوم عليهم بالإعدام عنه إنه من كوكب آخر، كوكب «لمبادا» لديه موهبة بارعة في تقليد الشخصيات، وكان يحكى عن صداقاته بأعضاء من رابطة «ألتراس أهلاوى» قبل أحداث الاستاد، التى بدأت عبر موقع «فيس بوك»، ويتذكر زياراته لهم في القاهرة وزياراتهم له في بورسعيد، لتبادل الخبرات، خاصة بعد تأسيس ألتراس جرين إيجلز، في مايو 2009 يحكى عن قيادات ألتراس أهلاوى «العجوز وكرشة ورامى وسانتوس»، وكيف أنهم أكلوا «عيش وملح» مع بعض، ثم انقطعت علاقتهم بعد المباراة.
«عظيمة» قال إنه رأى في المنام نفس ما حدث في الاستاد يوم 1 فبراير 2012 وحكاه لأصحابه، منهم واحد في السجن حالياً، قال إن الشرطة لا تعرف شكله ولا اسمه ولا أى معلومة عنه.
فجأة قال «عظيمة» جملة لم أفهمها، «دعه يتكلم فإنه يتألم»، سألته من تقصد فكان رده «ألتراس أهلاوى اللى أكلت معاهم عيش وملح»، قبل الحكم بإعدامه ترك «عظيمة» بورسعيد، وذهب إلى الإسكندرية 4 أشهر، ليختفي عن الأنظار، ومنها إلى محافظة أخرى مجاورة لبورسعيد رفض ذكر اسمها قضى فيها 3 أشهر، ثم عاد إلى بورسعيد قبل انتهاء المرافعات.
يوم الحكم بإعدامه كان في بيته مع أسرته، وأوضح أن أمه بكت، وقال إنه لا يقلق بشأن المستقبل، لكنه قرر عدم تسليم نفسه لوزارة الداخلية أو النيابة، وتابع: «مش ح أسلم نفسى للحكومة، مش ح أخلى حد من الضباط يترقى على قفايا ولو على جثتي».
يحكى «عظيمة» عن شائعات طالته وطالت أصدقاءه المحكوم عليهم بالإعدام، ويقول: «من بين هذه الشائعات أننى سافرت إلى نابولى في إيطاليا عبر طائرة هليوكوبتر، لكن الصحيح أنى تلقيت دعوتين للسفر إلى لبنان ورومانيا عبر التهريب في مركب، لكنى رفضت فأنا مثل السمكة تموت إذا خرجت من المياه لذلك لن أترك بورسعيد».
ويتحدث «عظيمة» ساخراً من التهم الموجهة إليه، وقال إنها تشمل الشماريخ وقتل أحمد وجيه، وحيازة أسلحة بيضاء، وتهديد بمسدس صوت، ولم يتبق من الاتهامات سوى استخدام طائرة «إف 16»، وحيازة سيف من أيام قريش، على حد قوله. يعيش «عظيمة» في بيته مع والده 50 سنة، ووالدته 43 سنة، وحسبما يقول: «وضعت خطة الهروب من البيت إذا تم اقتحامه»، وكشف «عظيمة» عن وجود شهيد من «ألتراس أهلاوى» من البورسعيدية، الذين ماتوا في الاستاد، يسكن أهله معه في نفس العمارة، لكنهم يؤمنون ببراءته، ولم يفكر أحد منهم في الإبلاغ عنه.
«عظيمة» الذى كان يمزح ويضحك ويحب سمير غانم وعادل إمام ومحمود ياسين، «بتاع التمانينات» ويقلد يونس شلبى «جاموسة راحت تقابل جاموسة»، إلا أنه عندما تذكر اثنين من أصدقائه، اللذين رحلا بعد النطق بالحكم يوم 26 يناير الماضى، صمت وكان متأثراً ويكاد يبكى لرحيل صديقيه: محمد فاروق مهوض ومحمد حمامة، وقال إن موتهما كان بالنسبة له يوم القيامة.
بجانب «عظيمة» يجلس الشيخ عادل حسن متولى حاحا، بلحيته التى أطلقها منذ سنوات، يعتز بكونه شاباً سلفياً، وينتقد الإخوان بشدة، عمره 33 عاماً، يعمل كمؤذن في وزارة الأوقاف منذ 2004 متزوج ولديه «روميساء»، 7 سنوات، و«نوح»، 5 سنوات، عمل 8 سنوات كمؤذن في مسجد رياض الصالحين، أشهر مساجد بورسعيد وأكبرها.
الشيخ «عادل» يحكى ليلة الحكم ببراءته، ويقول إنه صلى يوم المجزرة في مسجد مريم على جنازة، وركب الموتوسيكل الخاص به، فوجد الأمن بمحيط استاد بورسعيد شبه منعدم، ركن الموتوسيكل ودخل الاستاد، وكان الشوط الأول انتهى، ووجد اشتباكات بين الشباب البورسعيدى، في أرض الملعب، فطلب منه الناس التدخل لمنع الاشتباكات، وبالفعل نجح في ذلك، وأخذ «عادل» الموتوسيكل وعاد إلى بيته في حى الزهور، فعرف بما حدث بعد المباراة، فهرع لمساعدة الناس وذهب - حسب روايته -لمستشفي الحميات، وقال «وجدت 25 جثة من شباب ألتراس أهلاوى أمام الثلاجة، أسرعت لمسجد رياض الصالحين، وأتيت بـ9 أكفان، بدأت غسل الضحايا، وكان الموقف صعباً جداً، ولم أستطع إكمال الغسل بعد 4 حالات، شعرت وقتها بأننى في فلسطين، أو سوريا، بكيت على الشباب، وذهبت للتبرع بدمى للمصابين، وكان بداخلى حزن شديد».
وحكى «الشيخ عادل» أنه بعد الأحداث اتصل به الضابط خالد حبيب، ليدلى بمعلومات عما حدث في المباراة، والتعرف على أشخاص في فيديوهات، وأوضح: «رفضت لأنى لم أحضر الأحداث، وإنما حضرت الغسل، بعد فترة بدأ الموضوع يكبر، وسلمت نفسى 3 مرات، وذهبت بعدها إلى المحامى العام لتسليم نفسى، فقال لى (الموضوع أكبر منى ومنك، وأمشى وكأنى لم أرك)، وبعد أسبوع ذهبت لتسليم نفسى لوكيل النيابة، فلم أجده إذ كان في الإسماعيلية، وذهبت إليه مرة أخرى، فقال لى: (الموضوع ح ياخد وقت، احسم أمرك إذا كنت تريد الإصرار على تسليم نفسك أو الرحيل من هنا)، وبالفعل مشيت».
وقال «عادل»، إنه الوحيد من الهاربين، الذين لم يُنطق بشأنه حكم، لكن ما يهمه أن يخرج المظلومون، لأن مفيش عدل والقضية تم تسييسها، وأضاف: «أقول للرئيس محمد مرسى: اتق الله وتذكر حسنى مبارك، ولو كنت كما تقول حافظاً لكتاب الله فاحكم بالعدل، وحسبنا الله فيك وفي (الكفرة والإخوان ومن لا عهد لهم ولا دين)، وأقول له أيضاً إن قطار الإخوان في بورسعيد توقف، ولن يسير مرة أخرى، فقد رفضت لقاء أكرم الشاعر وعلى درة، بعد النطق بالحكم لأنهما لا عهد لهما ولا دين».
وتابع: «أعتذر لكل أم وأب ابنهم مات دفاعاً عن الحق في بورسعيد، فقد فقدت صديقى تامر الفحلة، لاعب الكرة، فكان جارى وصديقى، ورفيقى في الخدمة العسكرية، وأمنية حياتى أشوف العدل».
بجانب الشيخ عادل، الحاصل على البراءة، جلس محمد دسوقى محمد، وشهرته «الدسة»، أحد مشجعى النادى المصرى، عضو ألتراس «جرين إيجلز»، عمرة 27 عاماً، حاصل على بكالوريوس التجارة، من جامعة قناة السويس، كان يعمل محاسباً بشركة للاستيراد والتصدير بالقاهرة، وصدر حكم بتأكيد إعدامه، وترتيبه رقم 60 في قائمة المتهمين.
يحكى «الدسة» أنه ترك بيت الأسرة، وأقام في شقة أحد أصدقائه، حالته النفسية في الأرض، لكن يخففها بالصلاة والدعاء، على حد قوله، وتابع «الدسة» جلسة النطق بالحكم في شقة صديقه، وقال: «أتوقع التصديق على الحكم، والقاضى لو ضميره ح يصحى كان صحى قبل ما يحيل أوراقنا للمفتى، وحالياً نتعامل بما يريده ألتراس أهلاوى، فأين دولة القانون؟».
ويضيف الدسة: «أتوقع أحكاماً قاسية لباقى المتهمين، وتأييد أحكام الإعدام، وأقول للرئيس مرسى والقضاة وكل من شاركوا في تسييس القضية: «ليس من دون الله كاشفاً، وحسبي الله ونعم الوكيل فيكم وفي السفاحين والقتلة ومش ح أسلم نفسى إلا على جثتى طالما نحن لسنا في دولة قانون ودلوقتى مفيش قانون، ولو سلمت نفسى مش ح آخد براءة، ولن أغادر بورسعيد أيضا».
«الدسة» الذى كان مكتفياً بالمكوث في المنزل الفترة الماضية، قرر النزول ليشارك في جنازة صديقه سيد على السيد «19 سنة»، الذى رحل الأسبوع الماضى، بعد سقوط الرخام عليه من أعلى مبنى مديرية الأمن، وقال: «أمنيتى إن كل واحد مظلوم ياخد حقه».
«الدسة» المشهور بتلحين أغانى ألتراس النادى المصرى «جرين إيجلز» يجيد العزف على الجيتار، وكان مكتوباً أمام اسمه في الحكم «لم توجه له جريمة»، لكن تأكد الحكم بإعدامه.
يحكى «الدسة» عما حدث أثناء ترحيل زملائه المتهمين في القضية من سجن بورسعيد، ويقول: «4 منهم كلمونى في التليفون وأكدوا لى أن مجموعة كبيرة من الملثمين دخلوا عليهم الزنازين، وقاموا بتكميم أفواههم بلاصق (بلاستر)، وربطوا أيديهم من الخلف، وأجبروهم على الركوب في ميكروباصات سياحة ذات ستائر، وخرجوا من المدينة فجراً».
ويحكى عن آخر اتصال بينه وبين والدته، التى منعته من الانتحار يوم النطق بالحكم، أول مرة يوم 26 يناير، على حد قوله، وأعطته هاتف أحد أفراد الأسرة، كان يريد سماع صوته قبل السفر إلى الكويت.
ويضيف الدسة: «أقسم بالله لو كنت حرضت أو قتلت أو شاركت فإنى أستحق الإعدام، لكن الحكم ظالم، وأنا ما عملتش حاجة وأخدت إعدام، أكيد فيه ناس كتير مظلومة، وواخدة أحكام، ولم يعد عندى ثقة في أى أحد».
«الدسة» الذى ترك عمله كمحاسب في شركة، بحسب روايته، انفصل عن خطيبته بعد سنتين من الارتباط، بسبب القضية، ويخشى صدمة أسرته فهو الولد الوحيد لوالديه ولديه 3 أخوات بنات، «علشان كده مش ح أسلم نفسى لأن القضية مسيسة، وأقول لمرسى: حكمت فظلمت فقتلت وأعدمت».
المتهم الثالث المحكوم عليه بالإعدام، ممن التقتهم «المصرى اليوم»، هو محسن محمد الشريف، وشهرته «القص»، 31 عاماً، حاصل على دبلوم صناعى، لم يتزوج بعد، كان واحداً من ألتراس جرين إيجلز، وأحد مسؤولى اللجان الشعبية التى تنسق مع وزارة الداخلية واتحاد الكرة في المباريات المهمة في استاد بورسعيد.
يقول «القص»: «اليومين اللى فاتوا عدوا على وأنا ميت، وأكثر تفكيرى لم يكن على نفسى، وإنما في الآخرين، لم يصدر حكم ضدهم بعد، خايف يتظلموا زى ما إحنا اتظلمنا، أنا عرفت حكمى أما هم فلم يعرفوا».
وأضاف: «ليس لى مكان محدد أعيش فيه منذ إعلان الحكم يوم 26 يناير، كل يوم عند واحد صاحبى، أقوم بغسل هدومى بنفسى، وأهالى أصحابى يستقبلوننى كأنى واحد منهم، وأذهب لزيارة أمى التى تعيش وحدها، ذات الـ65 عاماً، وآخر مرة قالت لى لو حصل حاجة، ح أموت».
وتابع: «نفسى القضية تخلص ويتحكم فيها علشان أخلص، مش ح أفضل طول عمرى هربان، وحتى الآن ليس لى محام، وحسبى الله ونعم الوكيل، فما ذنب أهالى بورسعيد الذين ماتوا بعد الحكم، نحتسبهم عند الله شهداء، وكان نفسى أكون واحداً منهم».
في نهاية اللقاء، بعد الواحدة والنصف صباحاً، ترك محسن القص، وعظيمة شماريخ المكان أولاً، وبقى محمد الدسة والشيخ عادل بعض الوقت ليقوم الأخير الحاصل على البراءة بتوصيل الأول المؤكد حكم الإعدام ضده.
في الصباح ولحظة النطق بالحكم حبست مصر كلها أنفاسها، وقال الشيخ عادل حاحا، الحاصل على البراءة، ضمن 28 شخصاً: «حسبى الله ونعم الوكيل، وأنا مش فرحان، إذا كنت أخدت براءة، فيه ناس كتير مظلومة وفيه ناس ماتت، وكل أهل بيتى حزانى على الناس، أنا حاسس بحزن، فقد فارقت صديقى تامر الفحلة، وصدرت بشأن أصدقاء آخرين أبرياء أحكام بالإعدام، ولن أتركهم وسأبقى معهم.

تعليقات