سيادة الرئيس هذا أوان الرحيل


سيادة الرئيس هذا أوان الرحيل




مشهد بائس اختلطت فيه كل الأشياء، لم تعد تستطيع التمييز بين الخسيس والشريف، وصاحب الحق والمجرم، وصاحب الغرض وصاحب المبدأ، والثورى ومدعى الثورة.. حرائق تشتعل ودماء تسيل وعنف مجنون تتسع رقعته، يوماً بعد يوم، فى ظل وجود سلطة متبلدة لا تشعر بما يحدث حولها ولا تأبه به.. سياسيون يمارسون العهر السياسى، يدينون ما يحلو لهم، ويسكتون عما هو أفظع وأجرم منه، لأنه يوافق رغباتهم وأحلامهم فى تحقيق الانهيار الذى يستر عوراتهم ويخفى فشلهم وعجزهم.. حاكم ضعيف أصبح مصدراً للفتنة، بعجزه وضعفه وأدائه الردىء، فتح باب الفوضى وهيأ لها المناخ بقرارات حمقاء لم ينظر فيها سوى تحت قدميه، فلا حقاً أقام ولا شعباً حمى ولا مجرماً ردع، شارك فى الإجهاز على أحلام الثورة وأهدافها عبر الفشل، وفتح الباب لذئاب النظام السابق وضباعه كى يعودوا راقصين، نشوة وطرباً، على جثمان الثورة، وليقولوا للثوار ها نحن قد عدنا لنقول لكم إن ثورتكم كانت خطأ يجب أن تعتذروا عنه. لا تقل إن كل من حولى يتآمرون علىّ ويريدون إسقاطى، فأنت لم تأت لنزهة خلوية، بل قلت للناس أنا القوى الأمين، فلا قوة رأينا ولا أمانة لمسنا فى نزع فتيل الأزمات وحسن قيادة سفينة الوطن، مقامرة بالمستقبل وعناد وبطء وهروب حين يجب أن تظهر.. لم تسمع للناصحين حولك من مستشاريك وحتى حلفائك، فانفضوا جميعاً لتبقى وحدك ترتكن إلى عشيرتك التى أغرقتك ولن تستطيع انتشالك من هاوية السقوط، ارتضيت الصمت وآثرت السلامة واحترفت التبرير والحديث بعموميات لا تقترب مما نعانى ونصرخ منه . جئت عبر صندوق انتخابات فى لحظة استثنائية لم يكن أمام كثير ممن انتخبوك سوى اختيارك هرباً من عودة النظام القديم، لكنك أهدرت فرصة لن تتكرر فى جمع المصريين وتحقيق أهداف الثورة، ضعفت عن مواجهة ما ينبغى مواجهته وتخطيت ما لم يكن يجب أن تتخطاه، ثم لُذت بالاختفاء حتى أصبح الناس يشعرون بأن الدولة بلا رئيس ولا حكومة، وأنها تسير بالقصور الذاتى. نحترم الخيار الديمقراطى وإرادة الناس، لكن حين تهتز هذه الثقة، فلابد من العودة مرة أخرى لهؤلاء الناس، إما لتجديد هذه الثقة أو لإفساح الطريق لحاكم جديد يكون على قدر المسؤولية فى إدارة بلد بوزن مصر. يؤسفنى أن أطلب منك الآن، وقبل أن يمر عام على توليك، العودة للناس قبل أن تتفكك مصر وتنهار الدولة، هذا ليس قفزاً على الديمقراطية ولا إسقاطاً لآلياتها، لكنه إنقاذ للوطن من خطر السقوط والانهيار. لن أدعم أحداً ممن نافسوك فى الانتخابات الرئاسية الماضية، فهم شركاء فى المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، وأطلب منكم جميعاً، بلا استثناء، الرحيل بهدوء، فأنت قد فشلت فى الحكم، وهم قد فشلوا فى المعارضة. ربما تدخل التاريخ الآن حين تفعل ذلك بمحض إرادتك، وربما تعتبر أن هذا المطلب ضرب من ضروب الجنون، لكن ثق أنك لن تكمل مدتك الرئاسية باستمرار إدارتك للبلاد على هذا النحو، لن تسقطك المعارضة الوهمية صاحبة الخطابات الحنجورية، ولن يسقطك مدعو الثورة، بل سيسقطك الفشل وانفلات الأمور من بين يديك. ما تستطيع أن تفعله اليوم قد لا تستطيع أن تفعله غداً، فاحزم أمرك واعمل عقلك، فلن ينفعك أحد سوى نفسك.
 

تعليقات